أحسن الله إليكم شيخنا؛
من المعلوم أن أسلوب وخطاب القرآن الكريم يتغيّر بين المدنيّ والمكيّ؛ حيث نجد في المدني سهولة الخطاب ومرونته مع تفصيل في العبادات والمعاملات، بخلاف المكي فالغالب شدة الخطاب وقوته مع قوة المحاجة وتقرير التوحيد والعقيدة السليمة، فهل يمكن لطالب العلم توظيف هذا التغير في الخطاب القرآني في الدعوة إلى الله؟ وهل التوظيف مكاني وزماني مع مراعاة لحال المدعويين؟
وبارك الله فيكم.
إطلاق هذا الوصف للتمييز بين أسلوب المكي وأسلوب المدني فيه نظر؛ فإن مما نزل بالقرآن في المدينة ما هو من أشد الخطاب وأبلغه كالآيات التي نزلت في شأن المنافقين والآيات التي نزلت في شأن اليهود.
وأما مراعاة حال المخاطَبين في الدعوة فأمر مطلوب، وهو من الحكمة في الدعوة إلى الله؛ فينوّع لهم الأسلوب، ويخاطب كلّ بما هو أليق به كما قال الله تعالى: {ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، فالموافق اللمستجيب الذي يريد تفصيل معرفة الهدى يليق به اللين والبيان بالتي هي أحسن، والمتردد والشاكّ وهو في نفسه يريد الهدى يبيّن له بما يحصّل به اليقين في المسائل التي تردد فيها، والضالّ الذي يحسبه أنه مهتدي ولديه شبه تمنعه من رؤية الحقّ تكشف له الشبه ويجادل بالتي هي أحسن، وأما المعاند المستكبر الذي يصدّ عن سبيل الله بكبره وعناده وتضليله فيناسبه من الخطاب ما يكشف ضلاله وخطأه وزيغه عن الصراط المستقيم ليتبيّن لمن يتّبعه حقيقة أمره ولعلّه يتعظ فيرجع للحق.
والذي يعادي دعوة الإسلام ويحقّر من شأنها ويضلّل الدعاة يليق به من الخطاب ما يكبت باطله ويظهر عزّة الحق دون جور عليه ولا تعدّ لحدود الله.