السلام عليكم
قال ابن كثير في تفسيره لسورة النازعات:
اقتباس:
وعلمه- يعني فرعون- بأنّ ما جاء به أنّه حقٌّ لا يلزم منه أنّه مؤمنٌ به؛ لأنّ المعرفة علم القلب، والإيمان عمله، وهو الانقياد للحقّ والخضوع له.اهـ |
أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل
لو تكرمتم بمزيد توضيح لهذه العبارة؛ وما مراد ابن كثير منها، أليس العلم داخل في الإيمان؟
هل قصده بيان أن الإيمان الذي ينفع صاحبه هو ما أثمر العمل؟ أم قصده أن العلم لوحده لا ينفعه؟
ثم ورد علي إشكال:
- الذي أمن بقلبه واستقين ولم يعمل؛ هل إيمانه هذا لا ينفعه؟
- ثم فرعون وإن كان استيقن بقلبه إلا أنه أنكر وجحد ورد الحق، هل يقال: آمن بقلبه والحال أنه قد رد ذلك وأنكره؟
بارك الله فيكم وتقبل الله منكم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مراده أن العلم بلا عمل لا ينفع صاحبه ، ولا يكون به مؤمناً، بل لا يتحقق الإيمان إلا بالتصديق والقبول والانقياد؛ فمن علم بأنّ الله خالقه لا ربّ له سواه، وأنّ عبادة غيره باطلة، ولم يقبل ذلك ولم ينقد لأمر الله له بالتوحيد؛ فهو غير مؤمن، ولا ينفعه علمه؛ بل هو حجة عليه.
وكذلك كان كفر إبليس واستحقاقه للعنة الله ؛ فهو لم يكن جاهلاً بالأمر، ولم يكن منكراً لوجود الله؛ لكنّه كفر لمّا لم يقبل أمر الله ولم يرض به.
وكذلك كفر فرعون كان عن استكبار عن قبول الحقّ، لا عن جهل به وبصحة رسالة موسى عليه السلام.
ولا ينبغي أن يلتبس هذا الحكم بحكم عصاة المسلمين الذين انقادوا لأمر الله في أصل الدين وهو ما يصحّ به إسلامهم، واجتنبوا نواقض الإسلام، لكنهم عصوا الله فيما هو دون الشرك ؛ فهذا العصيان منهم لا يخرجهم من دين الإسلام لأنهم لم يكن عن جحد وتكذيب، ولا عن استكبار عن مطلق الانقياد لأمر الله.
ولذلك فإنّ عصاة المسلمين معهم من أصل الإيمان بالله والانقياد لأمره ما يمنع الحكم بكفرهم، وإن كانوا آثمون بعصيانهم مستحقون للعذاب، لكنهم ليسوا كالكفار المتوعدين بالخلود الأبدي في نار جهنم.
وقولك:
اقتباس:
- الذي أمن بقلبه واستقين ولم يعمل؛ هل إيمانه هذا لا ينفعه؟ |
الذي لا يعمل لا يعدّ مؤمناً ولا موقناً اليقين المعتبر شرعا، بل هو مستكبر غير مسلم،
اقتباس:
- ثم فرعون وإن كان استيقن بقلبه إلا أنه أنكر وجحد ورد الحق، هل يقال: آمن بقلبه والحال أنه قد رد ذلك وأنكره؟ |
الإشكال لديك هو في توهّم التلازم بين اليقين المعرفي والإيمان.
فاليقين المعرفي الذي يراد به تيقّن العبد بصحة الأمر الشرعي ووجوبه لا يكفي في الدخول في الإسلام ما لم يكن معه قبول وانقياد؛ ففرعون عرف واستكبر ولم يقبل فلا يعدّ مؤمناً.
واليقين الممدوح في النصوص هو العلم الصحيح الذي يطمئنّ به القلب، وتندفع به الشًّبَه، ويثمر العمل.