السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل بارك الله في علمكم
هل نستنتج من مكية سورة المزمل أن الأمر بقيام الليل وامتثاله من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته سبق الأمر بفرضية الصلوات الخمس؟
وجزاكم الله خيراً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
استنتاج ذلك من كون سورة المزمّل من أوّل ما نزل بمكة، وليس لمجرّد كونها مكية؛ فإنّ فرض الصلاة كان بمكة بإجماع أهل العلم، لكن اختلفوا في تحديد العام الذي فرضت فيه الصلوات الخمس، تبعاً لاختلافهم في تحديد العام الذي عُرج فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء.
وأشهر الأقوال التي قيلت في هذه المسألة ثلاثة:
القول الأول: أنه قبل الهجرة بنحو سنة، وهذا قول ابن سعد في الطبقات وقول إبراهيم الحربي وابن حزم وجماعة من أهل العلم ، ومنهم من يزيد أشهراً وينقص أشهراً.
والقول الثاني: أنه قبل الهجرة بثلاث سنين، وهذا القول حكاه ابن حجر عن ابن الأثير ، وقال به ابن قدامة في المغني، قال ابن رجب: (وهو أشهَر).
القول الثالث: أنه بعد البعثة بخمس سنين، وهو قول الزهري، ورجحه النووي.
وعلى كلّ هذه الأقوال فإنّ نزول سورة المزمّل كان متقدّماً، وقد كان بين نزول أوّلها وآخرها سنة كاملة، وقد دلّ على ذلك حديثان صحيحان:
أحدهما: حديث سعد بن هشام بن عامر أنه قال لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: «ألست تقرأ يا أيها المزمل؟»
قلت: بلى.
قالت: «فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف؛ فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة» رواه مسلم وأبو داوود والنسائي وغيرهم.
والآخر: حديث مسعر بن كدام عن سماك الحنفي، عن ابن عباس، قال: «لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها سنة» رواه أبو داوود والنسائي وابن أبي شيبة وغيرهم.
وأما ما رُوي عن سعيد بن جبير من أنّ بين أوّلها وآخرها عشر سنين فهو خطأ لا يصحّ.