السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أحسن الله إليكم شيخنا
من فضلك عندي سؤال: كيف نوفق بين قول أن الصحابة رضي الله عنهم لم يفسروا القرآن كاملا من الفاتحة إلى الناس إنما كانوا يفسرون ما يُسألون عنه، وبين قول مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ القرآن كله على ابن عباس رضي الله عنه فبينه له آية آية؟
والسؤال المطروح في الأصل كان: هل استوعب التفسير بالمأثور كل القرآن؟
الجواب عليه كان: أنه لم يستوعب كل القرآن شأنه شأن التفسير الفقهي الذي اهتم بآيات الأحكام فقط، لأن الروايات عن الصحابة لم تكن في جميع الكتاب.
فلما بحثت لأفهم الجواب وجدت قول مجاهد، لذلك لم أستطع التوفيق بينه وبين هذه الإجابة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مما ينبغي أن يُعلم أنّ معاني القرآن لا يحيط بها إلا الله تعالى، والعالم قد يقرأ الآية متدبّراً مراراً ويظهر له في كلّ مرة ما لم يظهر له من قبل، وكذلك لو قرأ طالب علم على عالم سورة من السور وسأل شيخه عن كلّ مسألة تخطر بباله فإنّه لا يبلغ أن يحيط بجميع مسائل السورة.
وكثير من المسائل إنما ينشأ العلم بها بعد إثارتها بسؤال أو إشكال يعرض للقارئ يستدعي منه معرفة ما يزيله، أو موازنة بين مسألة في آية، ومسألة في آية أخرى.
ومن طلاب العلم من يحسن استخراج المسائل من الآية لكنّه قد يرى أن كثيراً منها لا يستدعي السؤال لظهور العلم به له، وقد يكون ما ظهر له صواباً وقد يكون غير صواب، وقد يكون في المسألة خلاف لم يبلغه، أو استنباط لأحد من أهل العلم لم يصل إليه.
وكذلك العالم إذا فسّر آية فإنّما يفسّر ما يرى الحاجة لتفسيره.
إذا تبيّن ذلك فقراءة مجاهد على ابن عباس وسؤاله إيّاه عن كلّ آية لا يقتضي استيعاب مسائل التفسير، وكذلك ما جمع من تفاسير السلف لا يقتضي استيعاب أفراد مسائل التفسير، لكنّهم بيّنوا من أصول التفسير ما يعرف به المفسّر طريقة الكشف عن المعنى وجواب الإشكال.
فإذا نظرنا إلى دلالة تفاسير السلف على أصول علم التفسير ومنهج دراسة مسائله وجدنا تفاسيرهم عامّة شاملة؛ لأنّه ما من مسألة تعرض للمفسّر إلا وفي تفاسير السلف ما يهتدي به إلى جواب مسألته نصّا أو تنبيهاً أو مراعاة للأشباه والنظائر وأصول دراسة مسائل التفسير لدى السلف.
وإذا نظرنا إلى أفراد ما روي عنهم في التفسير وجدنا تفاسيرهم غير حاصرة لمسائل التفسير، بل لا تبلغ جميع التفاسير المطبوعة وغير المطبوعة أن تحيط بجميع مسائل التفسير.