الأسئلة العلمية
حالة السؤال
سؤال: ما رأيكم في شدة تعظيم الرسم العثماني؟

0

0

0

سارة المشري
طالبة علم


14:41 4-4-1440 | 11-12-2018

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


شيخنا الكريم ، أحسن الله إليكم ،

ما رأيكم في شدة تعظيم الرسم العثماني وأنه معجز من عند الله مع نشر تكلفات لأسرار هذا الإعجاز و طرحها على معلمات و طلاب التحفيظ .

مثلا :

( *فَقَالَ لِصَـحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ }.*حيث جاءت كلمة (صـحبه)*بألف متروكة لتبين ما كان يظنه مالك الجنتين من أن صاحبه ملتصق به التصاقاً كاملاً سواء في الرفقة أو الإيمان...

غير أن الرد يأتيه من صاحبه المؤمن في الآية 37 من نفس السورة:*{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ }حيث جاءت كلمة (صاحبه) بألف صريحة فارقة لتوضح لقارئ القرآن أن هذه الصحبة في الرفقة فقط وأما في الإيمان فهناك افتراق ومسافة بينهما ، وقد *جاء هذا المعنى أيضاً واضحاً في حق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما نُسب إلى قومه فجاءت كلمة (صاحبكم) بالألف الصريحة مفرقة بينه وبين قومه في الإيمان بالرغم من مصاحبته لهم في المكان والزمان.. وذلك في الآيات الكريمة الآتية:

*{ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ } [سبأ: 46].

*{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } [النجم: 2].

*{ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } [التكوير: 22].

*{ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ } [الأعراف: 184].

غير أنه حين يتكلم القرآن الكريم عن سيدنا أبي بكر صاحب رسول الله تأتي (صـحبه) بألف متروكة لتبين مدى الالتصاق بينهما وتوضح الصحبة الحقيقية في الرفقة والإيمان:

*{ إِذْ يَقُولُ لِصَـحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } ). ونحو ذلك .


وهل هناك مقال لمنهج أهل السنة والجماعة في مسألة الإعجاز في الرسم؟


عبد العزيز بن داخل المطيري
المشرف العام
14:42 8-4-1440 | 15-12-2018

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


ما ذكر في السؤال أراه من الغلو في شأن رسم المصاحف، وكذلك ما يذكره أصحاب دعاوى الإعجاز في الرسم فيه غلو كثير وهو نظير ما يدّعى من الإعجاز العددي، قد يقفون على أمثلة يتعجّب منها الناظرون، لكنّهم لا يستطيعون ضبطها بقواعد تطّرد وتنعكس.

وقد عُلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان أميّا لا يكتب، وأنّه كان يدعو جماعة من أصحابه لكتابة الوحي، وقد مات صلى الله عليه وسلم ولم يُكتب مُصحف تامّ في حياته، وإنما كان القرآن مكتوباً في صحف مكرمة متفرقة بأيدي القراء من الصحابة رضي الله عنهم، وإن كان بعضهم قد جمعه حفظاً في صدره، وكان بين تلك الصحف اختلاف في مواضع من الرسم لاختلاف الأحرف التي كانوا يقرأون بها.

وأوّل مصحف جامع بين لوحين هو الذي كتبه زيد بن ثابت بأمر أبي بكر رضي الله عنه، وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد بقيت صحف الصحابة يقرأون فيها على ما فيها من الاختلاف لا ينكر بعضهم على بعض، حتى حدثت الفتنة في أوّل خلافة عثمان فجمع الناس على رسم واحد، وهذا الرسم الواحد في الجملة لم يخل من اختلافات يسيرة بين المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الأمصار.

وقد دعا عثمان إلى كتابة المصاحف أفصح القراء وأمهر الكتبة، وراجع كتابتهم، وراجع معه أبيّ بن كعب على الصحيح، وكان هو من أعلام القراء، وهو الذي رتّب لهم العمل فيه، والآثار المنقولة عنهم في شأن كتابة المصاحف تدلّ دلالة بيّنة على أنّهم كتبوه باجتهاد منهم ، لكنّه اجتهاد على علم وتحرٍّ لموافقة ما تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيه، وضبطوه وأتقنوه.

- قال سليمان بن بلال التَّيمي: سمعتُ ربيعةَ يُسأل: لم قُدِّمَت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة، وإنما نزلتا بالمدينة؟

فقال: «قُدِّمَتا، وأٌلّفَ القرآن على علمٍ ممن ألَّفه به، ومن كان معه فيه، واجتماعهم على علمهم بذلك، فهذا مما يُنتهى إليه، ولا يُسأل عنه» رواه ابن وهب في جامعه كما في جامع بيان العلم لابن عبد البر، ورواه أيضا ابن شبة في تاريخ المدينة.

والكلام في ترتيب السور نظير الكلام في رسم الكلمات والحروف.

- وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد أن عثمان قال في خطبته: (فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به) وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرةً، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً فناشدهم لسمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟

فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: (من أَكْتَبُ الناسِ؟)

قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت.

قال: (فأيّ الناسِ أعرب؟)

قالوا: سعيد بن العاص.

قال عثمان: (فليملَّ سعيدٌ وليكتب زيد) فكتب زيد، وكتب مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب محمد يقول: قد أحسن). رواه ابن أبي داوود.


وعلى كلّ حال فإنّ الرسم العثماني واجب الاتباع لكونه من أمر الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وقد أمرنا باتباع سنن الخلفاء الراشدين، ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم، فلا يجوز بعد ذلك كتابة مصحف على خلاف الرسم الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم.

وإنما وقع الاختلاف في كتابة بعض الآيات على غير الرسم العثماني في الرسائل ونحوها، والأمر في ذلك واسع، لأنه المرجع عند الخلاف إلى ما تقرر في المصاحف.


وإذا تبيّن ذلك فإنّ ما بُنيت عليه تلك الدعاوى من أنّ الرسم كان بتوقيف وتعليم من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أو من جبريل عليه السلام كلّ ذلك لا يصحّ، وإنما غاية ما يستدلّ به الإقرار ، والإقرار يكون على الاجتهاد الصحيح.

ولو كان الرسم توقيفيا لما جاز للصحابة أن يختلفوا في كتابة المصاحف، لأن التوقيف إما أن يكون على رسم واحد وإما أن يكون على رسوم متعددة، فإذا كان على رسم واحد لم تحلّ مخالفته، ولما اختلفت مصاحف الصحابة أصلاً، بل لم يكن للاجتهاد في كتابة المصاحف مساغ لأنهم ليس لهم إلا أن يأخذوا بما أوقفوا عليه، وإذا كان الرسم التوقيفي متعدداً لم يجز لعثمان ولا غيره أن يُلغي رسماً توقيفياً.